القضاء المصري يعاقب حماس.. بقلم: مهند عبد الحميد

آخر تحديث:  04 مارس, 2015 03:03 ص  قسم أقلام حرة

القضاء المصري يعاقب حماس.. بقلم: مهند عبد الحميد

قلم - صورة تعبيرية

البراق - بقلم: مهند عبد الحميد

 

القرار القضائي المصري الذي يعتبر "حماس" منظمة إرهابية، والقرار السابق الذي اعتبر كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري للحركة منظمة إرهابية. قراران يحتاجان إلى وقفة أبعد من رفض أو قبول، وقفة جدية ومسؤولة ونقدية حول تجربة الإسلام السياسي، بعيداً عن النفاق والدبلوماسية والواسطة. ذلك ان عدم معالجة هذه القضية الشائكة بشجاعة سينعكس سلباً على مجمل الوضع الفلسطيني الذي يواجه تحديات كبيرة وخطيرة.

 

سأنطلق من موقف مبدئي يتلخص بأن حركة "حماس" جزء أساسي من الحركة السياسية وتتمتع بنفوذ جماهيري كبير. وثمة مصلحة وطنية في اندماج هذه الحركة في الإطار الوطني العام (المنظمة) على أُسس وطنية وديمقراطية، انسجاما مع التعدد السياسي والفكري والثقافي والديني الذي جسده ميثاق المنظمة ومع الديمقراطية التي تفترض التبادل السلمي للمركز القيادي في المنظمة والسلطة. الاندماج يعني إشغال الحيز ضمن الكل الفلسطيني الذي يتمثل في مؤسسة واحدة ومشروع واحد لتقرير المصير والخلاص من الاحتلال والاستيطان وتحقيق العودة وإقامة الدولة الوطنية المدنية المستقلة. والاندماج مسؤولية وطنية يشارك فيها كل أطياف اللون السياسي. من أجل تحقيق الاندماج لا مناص من رؤية العوائق وبخاصة من داخل الإسلام السياسي وحركة "حماس" على نحو خاص.

 

عمل فرع فلسطين من موقع الإخوان المسلمين بشكل مواز للحركة الوطنية ولم ينخرط في مكوناتها من موقع شريك في كل مراحل الصعود وفي كل الانتكاسات والأزمات. واستمر الافتراق وتعمق، ويمكن الادعاء بأن "الإخوان" هم الطرف المسؤول تاريخيا عن رفض الشراكة. وهذا يعود لأسباب كثيرة أهمها سبب أيديولوجي تمثل في طرح " الإسلام هو الحل" في بلد مهد الديانات والتعدد الديني وما يعنيه ذلك من العمل لتأسيس "دولة دينية". وسبب آخر هو رفض التعدد السياسي والثقافي الذي يضم علمانيين ويتبنى العلمانية واليسار كما جاء في وثيقة "حماس" الأولى التي بررت عدم الانضمام الى منظمة التحرير لانها منظمة علمانية. وارتهان "حماس" وفرع الإخوان الفلسطيني الى مرجعية المرشد والمركز الإخواني الذي كان وما يزال يشكل البديل عن المرجعية الفلسطينية. كان يمكن الجمع بين مرجعيتين كما فعلت تنظيمات يسارية اعتمدت على مرجعية السوفييت وكانت جزءاً من المرجعية الفلسطينية، وكذلك التنظيمات القومية والدائرة في الفلك القومي (الصاعقة وجبهة التحرير والقيادة العامة) تعاملت بالمرجعيتين الوطنية والقومية. وتبين أن المركز الإخواني والإسلام السياسي لا يؤمن بالتعددية لا في المركز ولا في الأطراف، هذا ما أكدته تجربة الإخوان في مصر (لجنة دستور بأكثرية إسلامية) وأخونة مؤسسات الدولة والقضاء، وتجربة الإخوان في السودان التي رفضت التعدد، والنهضة في تونس أدارت الظهر للتعدد- في المرحلة الأولى من الثورة- والثورة الإيرانية في إيران سحقت التعدد. وتجربة الإخوان المسلمين في سورية –الاستحواذ على أكثرية المجلس الوطني المعارض-. سبب آخر هو الموقف المتذبذب من الاحتلال وعلاقات التبعية، من 67 – 87 لم يقاوم الإسلام السياسي الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين واقترن هذا الموقف بتهادن المركز الإخواني مع علاقات التبعية، بعد ذلك انتقل موقف المركز الى المعارضة في محاولة لمحاكاة أيديولوجية الشيطان الأكبر، فقد تم تحريم وتخوين اتفاقية كامب ديفيد المصرية، وبعد صعود الإخوان إلى السلطة في مصر التزموا بالاتفاقية وتراجعوا عن تحريمها وتمسكوا بالدعم الأميركي للنظام وقدموا الولاء الى درجة انحياز الاميركان والغرب لحكمهم. وكان هذا يعني تجديد علاقات التبعية يعني عكس الثورة.

 

السؤال الذي يطرح نفسه بقوة، هل تجرؤ "حماس" على تمييز مواقفها وتحصيل حاصل استقلال تنظيمها عن تنظيم الإخوان ومركزهم الدولي؟ هل تستطيع إعلان انحيازها للانتماء والمرجعية الفلسطينية؟ إذا بقيت "حماس" ضمن نفوذ مركز الإخوان وقيادتهم فمن الطبيعي أن تلتزم بمواقفهم وتدافع عنها وتدعمهم باعتبارهم تنظيماً واحداً، ومن المنطقي أن تكسب وتخسر معهم. لسوء حظ "حماس" فإن مواقف المركز متناقضة ومكلفة جدا، وقد راوحت بين الإعلان عن قبولهم بنسبة 20% من مجلس الشعب، والاحتفاظ بدور المعارضة، وعدم مشاركتهم في انتخابات الرئاسة، ثم هرول تنظيم الإخوان الى تصنيع وحصد الأصوات ليتحولوا الى أكثرية مطلقة، وهرولوا للتحالف مع المجلس العسكري ضد قوى الثورة، وأبرموا صفقة مع الأميركان، وكان اكثر الأخطاء فداحة عدم قياسهم نبض السواد الأعظم من الناس الذين أداروا لهم الظهر، ورفضوا الاعتراف بالمزاج العام، وعاندوا الأمر الواقع بتصلب غير مسؤول وبمغامرة غير مدروسة ولا محسوبة أفقدتهم توازنهم، ما أدى الى خسارتهم وخسارة قاعدتهم وانعزالهم داخل المجتمع المصري. لا تستطيع "حماس" استمرار اعتماد مركز الإخوان كمرجعية دون أن تتقاسم معه الخسائر والأثمان. هذا ما يفسر قراري القضاء المصري اللذين وصما حركة "حماس" وكتائب عز الدين القسام كتنظيمين إرهابيين معاديين.

 

غير ان تراجع "حماس" أو استقلالها عن مرجعية الإخوان، يمر عبر تسوية الوضع الداخلي الفلسطيني، التسوية التي تستدعي فك السيطرة البنيوية العميقة لسلطتها في قطاع غزة، والتراجع عن نظام الحكم الديني المطلق الذي لا يحتمل اي تبادل او تغيير ولا يترك متنفسا لأي معارضة ديمقراطية، بما في ذلك معارضة من داخل "حماس"، ويشطب الحريات العامة والخاصة. لقد أوجدت "حماس" بناء سلطوياً يتحكم في كل صغيرة وكبيرة، شيدت بناء مستداماً محمياً بمقاومة مسلحة لا تملك مشروعاً للخلاص الوطني، وظيفتها غير المعلنة سيطرة مستدامة على المجتمع. هل تقبل "حماس" التراجع عن هذا النوع من البناء السلطوي الديني الفاشي الطراز، هل تتصالح مع شعب انتخبها قبل ان تتصالح مع تنظيمات الحركة الوطنية؟ هل تقبل الهبوط والصعود وبناء الثقة مع عامة الشعب، عوضا عن نظام الرعاية النفعية وشراء الولاءات العشائرية باستخدام المؤسسة الدينية. لقد اعتقدت حركة "حماس" أن قبولها بحكومة الوفاق هو أقصى ما يمكن تقديمه، علما أنه من غير المسموح لها إلا بدفع المطلوب وحل الاختناقات والإعمار بدون أية صلاحيات بما في ذلك صلاحية عقد الاجتماعات في مباني الوزارات داخل قطاع غزة. طبعا لا يمكن لهذا أن يؤسس لحل. واعتقدت حركة "حماس" أن مقاومة الاحتلال الإسرائيلي تكفي للتغطية على علاقتها بالإخوان المسلمين في مصر. حزب النهضة التونسية الذي ينتمي للمركز الإخواني ذاته، استخلص العبرة، وتصالح إلى حد معقول مع الشعب التونسي ومع حركته الوطنية، قبل بشراكة قد تكون انحناءة أمام العاصفة، لكن مواقف النهضة أوجدت مخرجا ما للازمة، يمكن البناء فوقه، وقد التقطته القوى الوطنية التونسية وواصلت عبور الطريق نحو بر الأمان. فهل تحذو "حماس" حذو النهضة؟


إستطلاع رأي :

هل ماتت المصالحة أم مازالت حية ؟

تاريخ انتهاء الاستفتاء : 31/12/2018